صفات المؤمن قبل فوات الأوان

 

لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا فإما محسن فيزداد إحسانا وإما مسيء فيستغفر ويرجع إلي ربه. فهو مدرك لحقيقة مجيئه إلي الحياة وغايته التي خلق لأجلها وهي عبادة الله عز وجل. تاركا ما يشغل غيره من تكالب علي الدنيا ونيل حظوظها لعلمه أنها في الآخرة كساعة. وهو مع يقينه بحسن عاقبة السعي إلي الآخرة لا يترك الدنيا تركا موحشا لكنه في عمله وسعيه كالمستظل بظل لم يركن إلي برودته وصفاء نسائمه ولكن أخذ منه ما يدفع عنه حر الشمس ثم قام وترك مواصلا رحلته إلي ربه والتي لا تنتهي إلا إذا حطت الرحال في جنات النعيم حيث التجلي والنور حيث النعيم والبقاء فلا حر شمس يذاق ولا زمهرير حيث يقولون "قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا".

حتى يصل المؤمن إلي هذه الغاية فإنه يعمل جاهدا لتبيض صفحات كتابه بأقلام ملك اليمين.

 وألا يترك عنان نفسه ويلهيه الأمل حتى يختر مه الآجل. فتسود صحائفه ويقف وقفة الخجل أمام سيده حيث لا مجال للأفكار والدفع عن النفس والشهود هم الجوارح فمذنبو الأمس هم شهود اليوم. فالرجعة من أجل التوبة والعمل الصالح قد استحالت لآذان لو علم الله فيها خيرا لأسمعها. وجباه استعلت عن السجود لله وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا. فهم من النار في وجل ومن العذاب في إشفاق وليس لهم جزاء إلا كونهم وقودا ليذوقوا مصير تهاونهم مع نفوسهم وتركهم لعنانها.
كل منا لا يدرك كم تبقي من صفحات كتابه فقد يكون صفحة وقد يكون سطرا وقد لا يكتمل وحتى تكتمل هذه الصفحة وذلك السطر فلنستغفر لذنوب فعلناها وذنوب هممنا بها. فالعارفون يخافون أن لا يثابوا علي حسناتهم لأنها صارت عشق نفوسهم وسعادة قلوبهم إذا سمعوا ذكر الجنة طارت إليهما نفوسهم وكأنهم يعيشون فيها وإذا مر به ذكر النار تنتفض أعضاؤه وتنزرف الدموع من عينيه ويبكي علي ما مضي ويخاف أن لا يغفر له. يقلب كفيه قائلا لنفسه عمرك قصير وعملك تقصير وحسابك عسير ومنصرفك أما إلي جنة

وإما إلي سوء المصير فاعملي قبل أن لا تقدري علي العمل.. كان الربيع بن خثعم يحفر لنفسه قبرا في بيته فإذا حل الليل أرقد جسده فيه ثم يخاطب نفسه وكأنه في موقف الحساب تاليا قوله تعالي: "رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت" ثم يقوم من قبره ويقول لنفسه هاأنت قد رجعت فاعملي قبل أن لا ترجعي.

خير الأعمار من اتسعت آماده وكثرت إمداده. وشر الأعمار من كثرت آماده وقلت إمداده.