المواظبة علي أداء العمل
بقلم : د. فتحي مرعي
المواظبة علي العمل أو أداء أي
شيء هي التي تحقق المراد منه.. فالذي يواظب( مثلا) علي أداء التمرينات
الرياضية يضمن أن يظل في فورمه جيدة حتى سن متقدمة, والذي يواظب علي العزف علي
آلة موسيقية معينة يحقق مستوي مرموقا فيها, والذي يواظب علي مذاكرة دروسه ينجح
بتفوق ودون عناء, والذي يواظب علي القراءة تتسع مداركه ويصبح شخصا مختلفا تماما
عن الشخص الذي لا يقرأ البتة أو الذي لا يداوم علي القراءة.. المواظبة هي سر
النجاح والتفوق وبغيرها لا يتحقق لنا شيء يذكر..
وفي القاموس.. واظب الشخص علي الأمر: ثابر عليه وداو مه يواظب علي الصلاة,
والذي يواظب علي الصلاة في مواقيتها يختلف عن الذي لا يواظب عليها.. الأول يؤديها
نشيطا غير متثاقل, ولا يتكلف عناء ولا مشقة في أدائها.. بينما الثاني إذا نهض
إليها نهض متثاقلا.. يحسها كبيرة كما يقول رب العالمين وإنها لكبيرة إلا علي
الخاشعين.
الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون( البقرة:46,45) الأول يؤديها بخشوع والثاني لا يكاد يعي ما يقرأ فيها من القرآن.. الأول تحققت له الغاية من أداء الصلاة.. وهو الخشوع لله وتذكر الآخرة.. والثاني ـبسبب عدم المواظبة عليهاـ لم يتحقق له المراد منها..
إننا نفقد الكثير حينما لا نواظب علي أداء ما نراه حسنا من الأمور.. نتعلم لغة ونصل فيها إلي مستوي لا بأس به.. ولكننا لا نداوم علي مراجعتها ونتوقف بلا سبب.. فالذي تعلمناه منها يضيع منا, ولا نعود نذكر منه شيئا.. في حين أنه لو أنفقنا ولو نصف ساعة يوميا أو حتى يوما بعد يوم لأحرزنا مزيدا من التقدم فيها وزادت حصيلتنا منها.. فعدم المواظبة يفقدنا ما تعلمناه وأنفقنا فيه الوقت والجهد.. وهذه خسارة لأن أوقاتنا محدودة وجهودنا محدودة أيضا, والذي يضيع لا يسترد إلا بصعوبة بالغة.. هذا لو استطعنا استرداد شيء..
وكثيرا ما نبكي علي الجهد الذي أنفقناه في تعلم شيء أو اكتساب مهارات معينة ثم توقفنا.. فتسرب كل ما تعلمناه أو اكتسبناه ولم يبق منه شيء.. أي نبكي علي بعثرة الجهد بلا طائل..
المواظبة لا نفقد معها شيئا أبدا.. بل من خلالها نتقن ما تعلمناه.. ليس هذا فحسب, وإنما نبني عليه ونرتقي في الأسباب..
إننا كثيرا ما نتوقف في منتصف الطريق, ولا نمضي في طريقنا حتى نتم ما بدأناه ونحن قادرون علي أن نفعل, والشاعر يقول في ذلك:
ولم أر في عيوب الناس شيئا.... كنقص القادرين علي التمام
فما دمنا قد اجتزنا مرحلة البداية وهي أصعب المراحل, فما بالنا لا نتمم ما بدأناه؟! أهو السأم؟! أهو فقدان الحماس للشيء.. والذي كان موجودا وقت أن بدأنا؟! وهل كان في ذهننا وقت أن بدأنا أننا قد لا نصبر علي العمل, وأننا يمكن أن نتوقف في منتصف الطريق؟! لو علمنا هذا في أنفسنا لكان الأجدى علينا أن نوفر الوقت والجهد, بدلا من أن نبعثرهما ولا نستفيد من الوقت المقتطع والجهد المبذول, أي عمل لكي يؤتي ثماره لابد أن نداوم عليه إلي أن ننتهي منه.. وفي القاموس لا يجني ثمار عمله إلا من يجد ويثابر والجد هو الاجتهاد, والمثابرة هي المداومة وهي المواظبة.. أي أن أساس النجاح شيئان معا.. السعي الجاد والمداومة.. فلا ينفع واحد منهما دون الآخر.. ومن هنا الآية القرآنية الكريمة ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا( الإسراء:19) وسعي لها سعيها أي سعي لها سعيا حثيثا جادا, وواظب علي هذا السعي, فالذي لم يجتهد لا نصيب له, والذي اجتهد فترة ثم قل سعيه أو توقف فلا نصيب له أيضا.. لابد من الجدية في السعي مصحوبة بالنفس الطويل.. أي المداومة علي السعي الجاد وعدم التوقف حتى بلوغ الغاية.. وبالنسبة لأمر الآخرة عدم التوقف مطلقا إلي نهاية العمر.. حتى نختتم أعمالنا وأعمارنا بالصالحات, فنلقي الله وهو راض عنا, فنكون بإذن الله وبرحمته ممن كان سعيهم مشكورا.. حياتنا فترة اختبار لمرة واحدة.. والواحد منا لا يعلم طول فترة الاختبار الخاصة به(!) فقد تكون طويلة نسبيا وقد تكون متوسطة أو قصيرة.. الله وحده يعلم.. والمطلوب منا ألا نتراخى فيما نحن بصدده, فقد تكون فترة الاختبار ـوهي العمرـ قصيرة.. بل أحيانا ما تكون قصيرة جدا.. ولابد أن نحيط بالقوانين التي إن عملنا بموجبها نجحنا في الدنيا وفزنا في الآخرة.. وهي ما أشرنا إليه.. السعي الجاد والمداومة.. السعي لابد أن يكون جادا وإلا لم ينتج شيئا.. والمداومة تعني المثابرة وعدم التوقف..
والسعي الجاد يكون للدنيا والآخرة جميعا.. السعي للدنيا هو أن نسعى لكسب الرزق من مظان الرزق المشروعة, التي لا تشوبها شائبة من مخالفة الضمير أو القوانين المعمول بها أو الشرائع السماوية.. وأن نبذل قصارى جهدنا في الإجادة والإتقان سواء كان مصدر الرزق تجارة أو زراعة أو مهنة أو حرفة.. وأن نحافظ علي أنفسنا فلا نوردها موارد التهلكة, وأن نبتعد عما يضر بصحتنا أو سمعتنا أو استقامتنا.. أما السعي إلي الآخرة فهو بالعمل الصالح الذي نبتغي به وجه الله, وأن نتجنب إيذاء الناس أو التعدي عليهم أو أكل حقوقهم.. فهذا مما يبغضه الله ولا يتسامح فيه وإن ذهبنا إلي الحج والعمرة.. والذي ندفع فاتورته من حسناتنا لمن ظلمناهم أو تعدينا عليهم أو أكلنا حقوقهم يوم يقوم الناس لرب العالمين.. كذلك ينبغي أداء ما افترضه الله علينا من عبادات.. الصلاة والصيام والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلا.. فإن فعلنا ذلك زكينا أنفسنا عند بارئنا وفزنا بجنات عرضها السماوات والأرض أعدت لمن سعي إلي الآخرة بجدية وكان من المؤمنين خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم( التوبة:22).. لابد أن يوطن الواحد منا نفسه علي أن فترة الاختبار المتاحة, وهي أعمارنا, هي معركة ليست ككل المعارك لأنها معركة مصير.. الخاسر فيها يظل خاسرا إلي الأبد.. والفائز فيها يظل فائزا إلي الأبد.. والعمل من أجل الدنيا والسعي من أجل الآخرة.. كل منهما يسير جنبا إلي جنب ولا يتقاطعان.. أي لا يتعارض العمل من أجل التفوق في الدنيا مع السعي من أجل الفوز في الآخرة.. بل هما متكاملان.. وسلاحنا الفعال لكسب المعركة سواء للدنيا أو للآخرة هو العمل الجاد والمداومة عليه.. بغير هذا لن نكسب المعركة.. وبغير هذا نكون في الدنيا كما مهملا.. وفي الآخرة من الخاسرين وليس من الفائزين.. الخاسرون يدخلون جهنم.. والفائزون يدخلون الجنة.. وفرق شاسع بين هؤلاء وهؤلاء لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون( الحشر:20).