المستحقون للسعادة

 

لا يحقق الإنسان سعادته التي يرجوها إلا إذا أدرك الطريق الصحيح إليها وعرف معانيها ولم تتشعب به الأهواء والأغراض فيسير في طرق لا تحقق له إلا المزيد من الشقاء والتعب وكلما ظن انه اقترب من هدفه كان قد زاد البعد بينه وبين ما يرجو ذلك لأنه جهل معني السعادة وكيفية الحصول عليها.

أن سعادة الإنسان المفقودة ما هي إلا أثر من آثار جنة الخلد التي عاشها سيدنا آدم عليه السلام ثم حرم منها وطرد بعد ما كان منه ومن الشيطان فخرج حزينا محسوراً علي ما فقد وعاش حياته باحثا عن تلك السعادة التي افتقدها وتعاقبت الأجيال وارثة هذه الحسرة وهذه الرغبة باحثة عما فقدته فيظن البعض أنها في الحصول علي المال فيجمعون منه الكثير ويكتشفون أنهم ما ازدادوا الأشقاء وبعضهم يظنها الملك والمنصب والمركز الاجتماعي فيحققونه فلا يجنون من ورائه إلا النصب والعذاب النفسي. وهكذا يكتشف الإنسان عجزه عن تحقيق ما تتوق إليه نفسه.

ولأن السعادة المفقودة هي اثر من آثار نعيم الجنة التي حرم منها آدم فأنها لا تتحقق بالرفاهية أو المناصب وإنما تتحقق بالطاعة وإخلاص العبادة الأمر الذي يورث الإنسان السلام الداخلي بينه وبين جوارحه فتكون الطمأنينة والرضا عن النفس وعن الناس وعن الكون بأحواله وتعليماته ولا يكون هذا الرضا إلا إذا تحقق سلام بين النفس وبين خالقها فتنصاع لأوامره بحب دون كره وبرغبة دون إذعان لذلك كان قوله تعالي: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" والأعراض عن الذكر قد يصاحبه كثرة مال وعلو منصب وكثرة أولاد وغير ذلك كما أن الذكر والعبادة لا يشترط فيها قلة المال أو كثرته وبقية أعراض الدنيا لأن الدنيا يهبها الله للبر والفاجر وللمحسن والمسيء لكن السعادة لا يمنحها إلا لعباده المخلصين الذين عرفوا الحق فاتبعوه لذلك قال العابدون "إننا في سعادة لو علمها الملوك لنازعونا عليها".