الرسول المعلم في أيام تحويل القبلة
ما يكاد الخامس عشر من شهر شعبان الكريم يقبل علي المسلمين حتي يأخذوا في الحديث عما حدث فيه من تحويل( للقبلة الشريفة( من بيت المقدس (المسجد الأقصي( إلي الكعبة المشرفة (بالمسجد الحرام(. وهنا يجب أن ننحوا مرة أخري منحي الضرورة الهادفة لمحاولة القراءة )التشخيصية( و)التمحيصية ( لبيان كيف اتصفت عملية (تحويل القبلة) بالمنحة والمحنة معا وبخاصة ان حقيقة الحقائق يؤكد مضمونها: ان هذا الحدث العزيز له (الواقع التاريخي) بسماته وصفاته، وبالتالي فإن (المعْلم الأول التشخيصي) له هو ما نسجله كما يلي:إنها حدث تاريخي: ولا توجد رواية قطعية فيه كما انه لا يوجد قرآن يتعلق بتاريخه بالتفصيل وإن الآيات الخاصة هنا تتعلق بتحويل القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة المشرفة وان المسلمين في مكة كانوا يتوجهون إلي الكعبة منذ أن فرضت الصلاة (وليس في هذا نص قرآني) ثم تم التوجيه بعد الهجرة إلي المدينة إلي بيت المقدس بأمر إلهي للرسول (وليس في هذا أيضا نص قرآني) ثم جاء الأمر القرآني الأخير: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) سورة البقرة رقم ..144 أما التفصيل التاريخي لهذا الحدث الهام فقد رأي بعض الأئمة مثل ابن كثير في تاريخه الكبير وابن اسحق والحاكم وابن حجر في فتح الباري: ان ما حدث كان في العام الثاني للهجرة وفي منتصف شهر رجب، أما الأئمة الآخرون فقد جاء الرأي الأرجح علي لسانهم، وها هما الإمامان النووي والقرطبي يؤكدان هذا الرأي الأرجح الذي يعلن ان (عملية التحويل) كانت يوم الثلاثاء وبمنتصف شهر شعبان. وهذا ما أكده أيضا الإمام محمد بن حبيب وحزم به في الروضة مع ترجيحه في شرح مسلم. أما المعلم الثاني التمحيصي وفي ظلال (الدرس) الذي يؤكد وجود كل من (المنحة، والمحنة، معا): فإننا نسجل أيضا هذه (المنح) أولا ثم نبين واقع (المحن) ثانيا وكما حدث واقعيا وتاريخيا.. المنحة لعملية تحويل القبلة: كان الرسول يصلي إلي قبلة بيت المقدس ويحب أن يصرف إلي الكعبة وقال لجبرائيل: وددت أن يصرف الله وجهي من قبلة اليهود: قال: إنما أنا عبد، فادع ربك واسأله فجعل يقلب وجهه في السماء ويرجو ذلك حتي أنزل الله عليه (قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) سورة البقرة 1434 وذلك بعد ستة عشر شهرا من مقدمه المدينة قبل واقعة بدر بشهرين. وجاء في تفسير ابن كثير (ان الله لما أمر المؤمنين أولا بالتوجيه إلي بيت المقدس ثم حولهم إلي الكعبة شق ذلك علي نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين فأنزل الله تعالي بيان حكمته في ذلك وهو ان المراد إنما هو طاعة الله عز وجل وامتثال أوامره والتوجه حيثما وجه واتباع ما يشرع فهذا هو البر والتقوي والايمان الكامل وليس في لزوم التوجيه إلي جهة من المشرق أو المغرب).. أخرج الشيخان (البخاري ومسلم) والنسائي والترمذي ومالك وابن ماجه عن البراء بن عازب قال (أول ما قدم رسول الله المدينة نزل علي أجداده أو قال أخواله من الأنصار وانه صلي قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلي أولي صلاة صلاها صلاة العصر، وصلي معه قوم فخرج رجل ممن صلي معه، فمر علي أهل مسجد وهم راكعون، فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله قبل الكعبة فداروا كما هم قبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم اذ كان يصلي قبل بيت المقدس، فلما ولي وجهه قبل البيت أنكروا ذلك فنزلت الآية: (قد نري تقلب وجهك في السماء..) البقرة 144 فقال السفهاء وهم اليهود: (ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) سورة البقرة آية ..142 ولقد أتم الله نعمه عليهم مع القبلة بأن شرع لهم: الأذان في اليوم والليلة خمس مرات وزادهم في الظهر والعصر والعشاء ركعتين أخريين بعد أن كانت ثنائية وكل هذا كان بعد مقدمه المدينة. أما المحنة بهذه العملية (تحويل القبلة) فإن من معالمها أيضا ما يلي:اذا كانت العقيدة الاسلامية لا تطيق لها في القلب شريكا ولا تقبل شعارا غير شعارها المفرد الصريح فإنها لا تقبل راسبا من رواسب الجاهلية في أي صورة من الصور وبالتالي لا مشقة لها ولا عسر في أن تخلع للنفس عنها تلك الشعارات وأن تنفض عنها تلك الرواسب وان تتجرد لله تسمع منه وتطيع حيثما وجهها الله تتجه، وحيثما قادها رسول الله تقاد. لقد كان في جعل القبلة إلي بيت المقدس ثم تحويلها إلي الكعبة حكما عظيما، ومحنة من الله امتحن بها عباده ليري من يتبع الرسول منهم ممن ينقلب علي عقبيه. أي ان المحنة كانت للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين: فأما المسلمون: فقالوا سمعنا وأطعنا وقالوا آمنا به كل من عند ربنا، وهم الذين هدي الله ولم يكن كبيرة عليها. أما المشركون فقالوا: كما رجع إلي قبلتنا يوشك أن يرجع إلي ديننا وما رجع إليها إلاانه الحق. وأما اليهود فقالوا: ما ندري محمد أين يتوجه، وان كانت الأولي حقا فقد تركها وان كانت الثانية هي الحق فقد كان علي باطل.. وبعدما صرفت القبلة إلي الكعبة بشهر في شعبان من السنة الثانية للهجرة فرض صوم رمضان