معجزة الإسراء والمعراج
بقلم الشيخ:إسماعيل زين خضر
إمام وخطيب مسجد الشهيد بأبوالغيط
القناطر الخيرية – القليوبية
يقول تعالي :
] سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا
حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ ( الإسراء : 1)
دلت هذه الآية علي ثبوت الإسراء بالقرآن الكريم ومعني الإسراء هو ذهاب الله بالنبي صلي الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلي المسجد الأقصى بفلسطين في جزء من الليل. كذلك دلت الأحاديث الصحيحة كما في البخاري ومسلم علي ثبوتها أما المعراج فهو صعود النبي صلي الله عليه وسلم من بيت المقدس إلي السماوات السبع إلي حيث شاء الله وهو ثابت بالأحاديث الصحيحة. ولم يذكر صراحة في القرآن الكريم ولكنه أشير إليه في قوله تعالي :
] وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى(14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى(15)
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى(17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ
رَبِّهِ الْكُبْرَى(18) [ ( النجم : 13-.18)
وجمهور العلماء علي أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة وانهما كان بالروح وبالجسد يقظة لا مناما كما دلت عليه الآية السابقة في مفتتح سورة الإسراء قوله:
" بعبده " فان العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد فلو كان مناما لما بادرت كفار قريش إلي تكذيبه ولما ارتدت جماعة ممن كان قد اسلم ومما يؤكد انهما كان بجسد النبي وروحه ما ورد في الأحاديث الصحيحة انه شق صدره الشريف وركب البراق وعرج به إلي السماء ولاقي الأنبياء وفرضت عليه الصلوات الخمس وكلمة الله وانه صار يرجع بين موسى عليه السلام وبين ربه.
وقد اختلفت العلماء في أي سنة كانا؟ وفي أي شهر؟ قال البعض انهما كانا قبل الهجرة بسنة ومنهم قال بسنتين والذي عليه الاكثرون والمحققون انهما كانا في شهر ربيع الأول وقيل في شهر ربيع الآخر وقيل في شهر رجب وهو المشهور بين الناس اليوم وذهب الدكتور محمد ابوشهبة في كتابه القيم "الإسراء والمعراج" إلي انهما كانا في ربيع الأول في ليلة الثاني عشر منه أو السابع عشر منه وأيا كان التاريخ فالمعجزة نفسها هي التي تهمنا لنأخذ منها الدروس والعبر.
واسري الله بعبده من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى حتى لا ينساه المسلمون ويحاولون تطهيره من دنس اليهود الذين يحاولون هدمه وبناء هيكلهم المزعوم وهم ينكرون ويشككون في المعجزة نفسها فهذا نهجهم دائما فهم يزورون الحقائق وهم قتلة الأنبياء قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا في ساعة واحدة من نهار وقتلوا يحيي عليه السلام وفصلوا رأسه وقدموها هدية لامرأة بغي من بني إسرائيل ونشروا زكريا بالمنشار وحاولوا قتل النبي ووضعوا له شاة مسمومة ولكن الله اخبره بذلك وما زالوا يقتلون الأطفال والشيوخ والشباب بلا رحمة. وبارك الله حول المسجد الأقصى ببركات دينية حيث انه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة ودنيوية لما يحيط به من الأنهار والزروع والبساتين. ولقد أراه ربنا الآيات والعجائب ليدلل له علي التكريم والتشريف فإذا كان أهل الأرض قد أهانوه فان أهل السماء سيحتفلون به ويفرحون بمقدمه.
واختم بما ذكره العالم الرباني الروحاني الدكتور عبدالحليم محمود حيث ذكر أن الإسراء والمعراج منهج حياة وان بداية الرحلة بدأت بشق الصدر لتدل علي التوبة ونقاء النفس وخلوها من الشرور والآثام ونهاية الرحلة هي الله ليس دون الله منتهى
] وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى [ ( النجم : 42) 0
سبحان الذي أسري بعبده"
بقلم : د. محمود إمبابي وكيل الأزهر
يقول الحق :
] سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا
حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ ( الإسراء : 1)
حدث
الإسراء والمعراج من الأحداث التي تخشع لها القلوب وينفعل لها الوجدان وتخضع أمامها
العقول وإذا كان هذا الحدث هو ثالث ثلاثة من الأحداث التي غيرت مجري التاريخ كما
غيرت منهج الأرض بمنهج الله في علاه للوصول بالإنسانية إلى مدينة العدل وأول
الأحداث " حدث البعثة " .
فنحن جميعا نعلم أن الرسول " صلي الله عليه وسلم " جاء علي فترة من الرسل وجاء بدين
هو خاتم الأديان لشموله الزمان والمكان وكل إنسان مصداقا لقوله تعالي:
] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ (الأنبياء :107)
ولكي
يؤهل الله رسوله " صلي الله عليه وسلم " لحمل الأمانة وتبليغ الرسالة .
آواه يتيما. وهداه سائلا. وأغناه فقيرا.. قائلا له:
] أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى(7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى(8) [
(الضحى : 6- 8)
وذلك لتكون لليتيم أبا وللسائل محسنا وبنعمة ربك متحدثا لهذا شرح صدرك. ووضع عندك
وزرك ورفع ذكرك وجعل لك أمام العسر يسرين.. من هذا المنطلق مر الرسول " صلي الله
عليه وسلم" لأداء الرسالة بمراحل.
أولها: مرحلة الإقناع.
وثانيها: مرحلة الدعوة المحلية في قوله تعالي:
]
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ
[
(الشعراء:214)
ثالثها : مرحلة الدعوة الإقليمية في أم القرى ومن حولها في قوله تعالي :
] لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [ (الشورى:7)
رابعها: مرحلة الإقناع العالمية لكل الناس علي مختلف الأديان والأجناس في قوله تعالي : ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ (الأنبياء:107)
ولكي يقوم الرسول الكريم " صلي الله عليه وسلم" بالبلاغ للكون كله جعله الله أسوة
لأمته المؤمنة من الأخذ بالأسباب. فإذا أعيته الأسباب لجأ إلي رب الأسباب.
فالحق عندما أمر الرسول الكريم " صلي الله عليه وسلم" بإعلان الدعوة عاده قومه ولكن
كان له حماية من الله تجلت في حمي عمه وحنان زوجته.
ولكن القدر عجل بعمه وهو الحامي لحماه خارجيا ثم لحقته خديجة التي كانت ردئا له
تصدقه وتؤويه وهنا لم تواكبه الأسباب.. فأرسل رسالة إلي الله قال فيها:
" إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي. وهواني علي الناس يا أرحم الراحمين.
أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلي من تَكلُني إلي بعيد يتجهمني أم إلي عدو ملكته أمري.
إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي".
إنها رسالة فيها مقومات الإيمان الراضي واليقين الصابر. إنه يطلب القوة من القوي
المتين ويطلب الحول من محول الأحوال.. ويطلب الكرامة من العزيز الغفار.
فاستجاب له دعاءه..
فأسري به ليلا.. بقوته.
وأحيا له الأنبياء.. بحوله.
وصلي بهم أمامه.. بعزته.
ثم استضافه في سمائه.. بكرمه.
وجعل الأنبياء في استقباله.. بأمره.
وسلم عليه في معيته.. وأهداه الصلاة في عليائه.
وعاد الضيف فوجد العداء والجفاء في انتظاره. فكان الحدث الثاني فأمره بالهجرة.
وبقوته حماه وفي الغار أعمي أبصارهم وما قلاه.. وفي المدينة أكرم الله له مسعاه.
وإذا جاز لنا أن نجعل الإسراء استجابة لدعوة الرسول "صلي الله عليه وسلم" فليس لنا
أن نضع هذا الحدث أمام قانون البشر المحدود وإنما يقاس الفعل بمقدار فاعله.
وفاعل الإسراء هو الله سبحانه وهو القوي المتين.
أربع نبوءات مستقبلية
بقلم الشيخ محمد بدر من علماء الأزهر
يقول الله تعالي :
] سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا
حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ ( الإسراء : 1)
الآية رقم 1 من سورة الإسراء تنبأ القرآن الكريم في هذه السورة المعروفة بسورة الإسراء أو سورة بني إسرائيل بأربع نبوءات مستقبلية هي:
"1" المسجد الحرام "2" المسجد الأقصى "3" المسجد النبوي "4" نهاية اليهود
1. فحينما نزلت هذه الآية الكريمة لم يكن المسجد الحرام مسجداً بمعني كلمة مسجد وإنما كان مقصوراً علي الكعبة فقط يطوف الناس حولها ويصلون بجوارها ولم يكن أحيط بحائط بعد. أو سوّر بسور. وإنما حدث ذلك في خلافة عمر بن الخطاب وبالتحديد في سنة 17 هجرية كما أخبر بذلك الناس في كتابه شفاء الغرام حيث قال:
كان المسجد الحرام ليس عليه جدران محاطة به. إنما كانت الدور محدقة به من كل جانب غير أن بين الدور أبواباً يدخل منها الناس. فاشتري عمر بن الخطاب رضي الله عنه دوراً فهدمها.. وأبي بعضهم أن يأخذ الثمن وتمنع من البيع فوضعت أثمانها في خزانة الكعبة حتى أخذها بعد ثم أحاط عليه جداراً قصيراً ص 409 ج اشفاء الغرام بأخبار البلد الحرام للناس ولم يكن المسجد خالصاً للتوحيد فقد كان فيه 360 صنماً حول الكعبة عند حدوث الإسراء ونزول السورة الكريمة فإخبار القرآن الكريم بأنه مسجد نبوءة مستقبلية لشيء لم يحدث بعد.
2. والمسجد الأقصى هو الآخر عند نزول السورة لم يكن مسجداً بالفعل وإنما كان بقايا المسجد الذي بناه داود وسليمان عليهما السلام وحينما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15 هجرية إلي المسجد الأقصى لم يجد مكاناً يصلي فيه. وأما المسجد الذي نراه الآن فالذي بناه هو الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك
سنة586.
3. والمسجد النبوي تنبأت به الآية الكريمة سبحان الذي أسري الآية حيث إن الآية الكريمة عبرت عن مسجد القدس بالأقصى "الأبعد" وكلمة الأقصى تقتضي قصي "بعيد" فإذا كان الأقصى هو مسجد القدس فالقصي هو المسجد النبوي. ويكون الترتيب المسجد الحرام فالمسجد النبوي فالمسجد الأقصى فتكون الآية الأولي من السورة قد تنبأت بالمساجد الثلاثة يقول الآلوسي:.. ووصفه بالأقصى أي الأبعد بالنسبة لمن بالحجاز وقال غير واحد: إنما سمي به لأنه أبعد المساجد التي تزار من المسجد الحرام ص 580 ج 9 روح المعاني ويقول الجزائري: حدثنا شيخنا الطيب العقبي "خريج المسجد النبوي الشريف" أنه ألقي كلمة في الروضة بالمسجد النبوي ففتح الله تعالي عليه فذكر أن المسجد النبوي أشير إليه في آية الإسراء فهو إذن مذكور بالإيماء ص 173 ج 3 أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.
4. تنبأت السورة الكريمة بإفساد اليهود الحاصل اليوم والمشاهد لكل ذي عينين حيث ذكرت إفسادهم في الأرض مرتين. وهما المرتان اللتان ذكرهما المؤرخون. وترتب عليهما عقاب الله لهم بتدمير بلادهم علي يد بختنصر البابلي مرة. وتيطس الروماني أخري ثم عقبت الآيات علي ذلك بقوله تعالي: ] ْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [ (الاسراء:8)
4.آية رقم 8 من السورة أي بعد المرتين السابقتين. إن عدتم للإفساد عدنا للانتقام. وقد عادوا بالفعل في هذه الأيام فما النهاية التي تنتظرهم؟! تجيبنا الآية الكريمة في نهاية السورة : ] وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُم لَفِيفاً [ (الاسراء:104)
أي وقلنا لبني إسرائيل من بعد إغراق فرعون وجنوده أيام موسى عليه السلام اسكنوا الأرض وتفرقوا في أرجائها وسيحوا في أنحائها فإذا جاءت المرة الأخيرة جئنا بكم جماعات لنفس المصير السابق والانتقام المحتوم. وقد حدث اليوم أنهم تجمعوا من أرجاء الدنيا وأصقاع المعمورة إلي القدس وفلسطين.
فلنرتقب عقاب الله لهم وانتقامه منهم وهو قريب إن شاء الله ويومئذ يفرح المؤمنون
بنصر الله فتلك نبوءات أربع اشتملت عليها سورة الإسراء والتي تتكلم ضمن ما تتكلم
عن حادث الإسراء. الذي يحتفل المسلمون به هذه الأيام.