طريق الجمال الإلهي
طرق الناس لمعرفة ربهم متعددة. فمنهم من عرفه بالنظر في كونه ومنهم من عرفه بجلال كماله وجميل صفاته وأنه منزه عن الشبيه والمثيل فليس كمثله شيء في سائر الصفات والأفعال.
من صفات الله تعالي التي تساعد السالكين إليه علي الوصول له صفة "الجمال" بما تحدثه في النفس من طمأنينة وفي الروح من تجدد لنشاطها وقوة لعزيمتها بما تقهر الصعاب متجاوزة إياها بإرادة الناظر لما خلف القشور النافذة لأعماق الأمور البصير بما تخفيه الحجب وما تستره الغيوم. فرسول الله صلي الله عليه وسلم لم يوهنه آذى الكفار ومعاندتهم فقد نالوا منه أشد ما نالت أمة من رسولها إيذاء وضربا واعتداء لكنه لجأ بقوة الصفات لمخاطبة الذات حيث نادي ربه وكأنه قريب منه يخاطبه وجها لوجه بقوله : "أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات" فقد خاطب ربه بأحب الصفات إليه وهي "الجميل" الذي بلغ حد الإشراق المبدد للظلمات الممزق لأستار الليل وحواجبه يقول ابن مسعود : ليس عند ربكم ليل ولا نهار. نور السماوات من نور وجهه فهو سبحانه نور السماوات والأرض ويوم القيامة إذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره. جماله سبحانه علي مراتب أربع :
واحدة لجمال الذات
وأخري للصفات
وثالثة للأفعال
ورابعة للأسماء.
وجمال الذات حجب بالصفات والصفات بالأفعال فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال وستر بنعوت العظمة والجلال. فسبحان من يشرق بجماله علي أهل الجنة مخاطبا إياهم بقوله : هل رضيتم فيقولون : مالنا لا نرضي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من الناس. فيزيدهم سبحانه بأن يظلهم بجماله ليشرق في نفوسهم نوره لتسعد به نفوسهم علي سعادتها فما شيء أحب إليهم من رؤية نوره سبحانه وتعالي.
للمؤمن جمال باطن يتمثل في عقيدة سمحة تضفي عليه أخلاقا عالية ونفسا مطمئنة تورثه همة ونشاطا دينيا وحياتيا ليمارس عملي الدين والدنيا فلا الدين ضيع ولا الدنيا أفسد. إلا أن له أيضا جمالا ظاهراً به يفخر بإسلامه وبدعوته إلى النظافة وبإنكاره علي من قصروا التدين في ملابس مهلهلة قد تورث الرياء والشرك اكثر من التواضع والخشية. فإن الله جميل يحب الجمال ويبغض البذيء الفاحش المتفحش سلوكا ومظهرا.