محاكمة الأسرة في تربية النشء
د. رأفت عثمان: الدور الغائب للأسرة في التربية السبب الرئيسي
في انحراف الأبناء
د. محمود امبابي: محاكمة البيت علي ما اقترفه من إثم في حق النشء والمجتمع
كتب محمود حبيب:
 |
د. إمبابي |
|
'انحراف الشباب فكرا وسلوكا.. كتعاطي الشباب للمخدرات السير في طريق
الرذيلة عدم التزام الفتيات في السلوك والملبس افتقاد احترام الجنسين
للآباء والأمهات انعدام توقير الصغير للكبير.. كل ذلك ينعكس سلبا علي
المجتمع.. وكيف يقوم المجتمع القادم علي أكتاف مثل هؤلاء الشباب الذين هم
في الواقع عدة المستقبل وهم بهذا المستوي المتدني فكرا وخلقا وتربية
وسلوكا.. هذا بجانب السؤال الملح: من المسئول عن هذا الذي يحدث من هؤلاء
الشباب..؟! والاجابة.. بالطبع الأسرة ولا شيء غير الأسرة وعليه فإن التبعة
تقع في المقام الأول علي الآباء والأمهات ثم الاعلام فالمدرسة وبالتالي
لابد من المحاكمة العادلة للأسرة ثم الاعلام في المدرسة باعتبار الأخيرين
مكملين للأسرة.. وفي السطور التالية نقرأ المحاكمة'.
يقول الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن
بجامعة الأزهر: يتكون الانسان من مجموعة من الغرائز، كغريزة الأكل والشرب
والجنس، وحب التملك، والقوة والاستئثار بالأشياء، والتفوق، وغير هذا مما
طبع الله الانسان عليه وركبه فيه بحيث صارت هذه الغرائز جزءا من تكوينه
الانساني والتي يشترك معه الحيوان في كثير منها.
ولما كانت هناك صفات غريزية تمس الآخرين وتعتدي علي حقوقهم، أو تؤدي إلي
الاضرار بالأفراد أو المجتمعات أو الدولة فإن الدور الأخلاقي الذي يمثله
الدين يبرز هنا ليهذب هذه الغرائز ولا يلغيها، بل يجعلها تمارس من الفرد
والجماعة تحت مظلة أخلاقية لا ينشأ عنها ضرر بالأفراد أو الجماعات أو
بالدولة، ويتمثل هذا الدور فيما يشرعه الله عز وجل في شرائعه التي أرسلها
إلي البشر، فتكون عاصما يمنع ممارسة الغرائز بصورة تؤثر سلبا في سلوك
الأفراد أو الجماعات.
الضوابط الأخلاقية
وأوضح الدكتور رأفت عثمان: ان من الأمور الثابتة ان الطفل يولد وينشأ بهذه
الغرائز الطبيعية التي فطره الله عليها كبقية أفراد جنسه، فإن لم توجد
الضوابط الأخلاقية في أسرته وبيئته، وهي الضوابط الدينية التي تضبط حركة
حياة هذا الطفل وتجعلها تسير علي طريقة مستقيمة في جميع أطوارها من
الطفولة، مرورا بالصبا والشباب والكهولة والشيخوخة حتي نهاية العمر، فإن
الانفلات من الأخلاق، والسلوك الحسن هو النتيجة التي ننتظر حدوثها، ومن هنا
تأتي أهمية دور الأسرة في تقويم سلوك الأولاد، وتهذيب أخلاقهم فينشأ الطفل
في بيئة تهذب من غرائزه فتبين له أن غريزة التملك ليست دون ضوابط أخلاقية،
وإنما التملك له وسائله أو أساليبه المشروعة. فالسرقة حرام، وأكل أموال
الناس بالباطل أو النصب أو التدليس حرام، والاختلاس والهروب بأموال الغير
سواء أكانت أموال فرد أو بنك أو أموال الدولة حرام.. وهكذا في غريزة الجنس
فلابد من أن تمارس بالطريق المشروع وهو الزواج، وسائر الغرائز الأخري.
تبين الأسرة لأبنائها ضوابطها وصورها المشروعة فينشأ الأطفال وهم مزودون
بالكوابح (الفرامل) الأخلاقية التي توقف الولد أو البنت عند حدود معينة لا
يجوز تجاوزها في العلاقات بين الأفراد في مجال من مجالات السلوك الانساني،
وتعامل الفرد مع غيره سواء أكان هذا الغير فردا أم هيئة أم الدولة نفسها.
الأسرة اللبنة الأولي
وأشار إلي أننا نريد مجتمعا تضع الأسرة فيه اللبنة الأولي في البناء
الأخلاقي للفرد ليؤدي دوره الايجابي، للحياة المستقرة السعيدة، البعيدة عن
العنف وعن أي نوع من أنواع التعدي علي حياة الآخرين أو أجسامهم أو أموالهم،
أو حقوقهم وحرياتهم، وواجب الأب والأم أن يكونا أول من يجعل مهد الطفل
محوطا بالتوجيهات الأخلاقية التي بينها الشرع وحثت عليها أحكامه وضوابطه
السامية.. وليتعلم كل أب وأم أن انحراف أولادهما لا يكون من نصيب الغرباء
فحسب بل قد يكون كل من الأب والأم هو أول من يقطف هذه الثمرة.
الأسرة هي السبب الأساسي
أما الدكتور محمود امبابي رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، فيقول: ان الأسرة
وحدها لا يمكن أن تتحمل المسئولية كاملة ولكن عليها الجزء الأكبر عن
المتعاطين للمخدرات من الشباب.. أما باقي المسئولية فهناك أسباب أخري منها
اليأس والاحباط والبطالة..
لكن ما نشاهده في هذه الأيام من تدن وانحدار في المستوي الأخلاقي للشباب
وما يخرج من أفواههم من كلمات نابية يخجل منها الرجال قبل النساء وما نراه
من ملابس كاشفة واصفة لا تصلح لأن يرتديها الرجال تخرج بها الفتيات للمدارس
والجامعات.. كل ذلك يكون مرده إلي الأسرة التي قصرت في تربية أبنائها
وتعريفهم بالحلال والحرام، ومباديء الاسلام التي تجعل المسلم دائما عفيف
اللسان طاهر القلب. والله سبحانه وتعالي يقول: 'ما يلفظ من قول إلا لديه
رقيب عتيد' والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: 'من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليقل خيرا أو ليصمت'.
وفي مواضع كثيرة نهي الرسول أن تلبس المرأة ما يصف مفاتن جسدها أو يشف
فيظهر ما تحته، وهو بذلك يحفظ للمرأة كرامتها وعفتها حتي لا تصبح عرضة
لأعين الجياع الذين ينظرون هنا وهناك يتتبعون عورات النساء. ولو أن كل أب
وأم أفهما أبناءهما أن الثياب الكاشفة تقلل من قيمة الفتاة، وأنها لن تكون
بحال من الأحوال طريقا إلي شريك الحياة.. واذا حدث وكان فلن يكون الزواج
ناجحا لأنه بني علي غير أساس قويم لما رأينا تلك المناظر المخزية والمفاتن
التي تثير غرائز المارين في الطريق والمرافقين في وسائل النقل وغيرها.
وأخيرا يقول الدكتور محمود امبابي: لابد أن تعقد محاكمة للأسرة أي محاكمة
أسرية لكل من الأب والأم حتي يعرفا ما اقترفاه من إثم في حق أبنائهما
وبالتالي في حق المجتمع لأنهما مسئولان عن ذلك أمام الله في الدنيا
والآخرة.
الأسرة هي القالب
أما الشيخ شوقي عبداللطيف المدير العام بوزارة الأوقاف فيقول: هناك عدة
مشاكل تواجه النشء ويتأثر بها ما لم يكن هناك رادع هي تبرج الفتيات الزواج
العرفي الزنا تعاطي المخدرات وغير ذلك من المشكلات التي تقضي قضاء مبرما
علي النشء.. وهنا يجب أن نبحث عن السبب ونجد أن كل هذه المشكلات مردها إلي
الأسرة لأن الأسرة هي القالب والوعاء الذي يصهر فيه الطفل أخلاقيا.. فالطفل
مقلد لغيره وخاصة أبويه، وذلك كما يقول الشاعر:
وينشأ ناشيء الفتيان منا
علي ما كان عوده أبوه
ويرحم الله الإمام البوصيري حين قال:
والنفس كالطفل إن تهمله شب علي
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
إن مسئولية الأسرة عن التوجيه والتنشئة والتربية مسئولية مهمة وخطيرة
والقرآن الكريم يقول: 'يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها
الناس والحجارة' وقول الله تعالي: 'وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها' وقول
الرسول صلي الله عليه وسلم: 'كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع عن
أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية علي بيت بعلها وولدها وهي مسئولة
عنه'..
واذا كان هذا هو دور الأسرة، فإن المدرسة لها دور مهم يجب ألا نغفله لما
لها من دور فعال في تربية النشء وتغذية العقول فالطفل والشاب في مراحل
التعليم المختلفة يقلد معلميه وأساتذته ويتأثر بهم في المدارس والجامعات
سلبا أو ايجابا، وأيضا للاعلام أثر علي الشباب، ولذا نرجو من القائمين علي
أمر الاعلام عدم نشر ما يثير الشباب أويحرك غرائز الشهوة فيهم كالمسلسلات
الهابطة والاعلانات الخارجة والأفلام التي تحتوي علي مناظر أو لقطات فاضحة.
يقول الله تعالي: 'إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الدين آمنوا لهم عذاب
أليم في الدنيا والآخرة'.
نذير خطر
أما الشيخ أحمد أبوالدهب مدير عام أوقاف بني سويف فيقول: تتعرض الأجيال
الجديدة ذكورا واناثا لمغريات وضغوط ثقيلة تجعلها عرضة للانزلاق في مجاهل
الانحراف وسراديب الظلام بينما نعيش ما ندعيه عصر التنوير.. ونمتلك من
التقنيات والأدوات والوسائل ما يجعلنا نتوقع الخير العميم لأجيال الغد.
ويشير الشيخ أبوالدهب إلي أن احصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة
والاحصاء تؤكد أن نسبة الانحراف في صفوف الاناث القاصرات تبلغ حوالي 30 %
بينما تبلغ بين الذكور حوالي 40 % وهذا نذير خطر يوضح مدي الانحراف الذي
وصل إليه شباب الأمة الذين نعقد عليهم آمالا كثيرة، ولعل السبب في هذه
الظاهرة الخطيرة هو التفكك الأسري، وغياب الأب المستمر عن منزل الزوجية أو
سوء اختيار الزوجة أو لأن الزواج غير متكافيء اجتماعيا أو ثقافيا..
وبالتالي اذا أردنا علاج هذه الظاهرة فلابد أن يكون الزواج قائما علي أسس
دينية وتربوية سليمة بين الزوجين، وعلاج مشكلات الحياة قبل أن تستفحل.
|