العدالة

د. عبد الله النجار

من الأصول الراسخة للعدالة في القضاء بين الناس. أن القاضي لا يجوز له أن يقضي لأحد بما يدعيه علي الآخر إلا بعد أن يسمع قول كل طرف في الدعوى. وإنه إذا قضي بما يقوله الخصم علي خصمه دون أن يستمع إلي المدعي عليه. يكون حكمه جائرا وظالما. وقد تأكد هذا الأصل في القرآن الكريم الذي حكي قصة مشروعيته لإرساء العدالة بين الناس منذ قديم الزمان. بل ومن عهد نبي الله داود عليه السلام. الذي ابتلاه الله بخصمين تسورا عليه المحراب وهو جالس فيه وحده للخلوة والعبادة حتى إنه فزع منهما حين فوجئ بطريقة تسورهما عليه وغرابتها حتى قال كثير من آهل العلم إنهما كانا ملكين أرسلهما الله له ليعلماه أصول المرافعات القضائية الصحيحة قبل أن تعرفها القوانين الوضعية بآلاف السنين. ومن ضمن تلك المرافعات أن القاضي لا يجوز أن يقضي لاحد الخصمين قبل أن يسمع حجة خصمه. وفي ذلك يقول الله تعالي : "وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب. إذ دخلوا علي داود ففزع منهم قالوا لأتخف خصمان بغي بعضنا علي بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط. أن هذا آخى له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة. فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب. قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه. وان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم علي بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب" ص/.2421

ومن يتدبر تلك الآيات الكريمة علي ضوء ما شرعه الإسلام لأصول التقاضي. وما سنته القوانين الوضعية بشأنه. يلاحظ أن ما يمكن أن يكون قد خالف الأصل فيما جري به قضاء سيدنا داود علي الخصمين ما يلي:

أولا : أنه قد تسرع في إصدار الحكم دون أن يستمع إلى حجة خصمه. فلم يلبث حين سمع المدعي يقول كما حكي القرآن الكريم: أن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة. ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب. أقول : لم يلبث حيث سمع ذلك أن يقول له وقبل أن يسمع خصمه: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه. وكان من الواجب عليه أن يسمع إقرار المدعي عليه. ويحفظ عليه حقه في الدفاع عن نفسه. وهذا ما لم يفعله. وصوبه الله له.