قرآن وسنة
بقلم : د. عبد الله النجار

لو اتبع الناس هدي السنة النبوية الشريفة لنعموا بالأمن. واستمتعوا بالرخاء والطمأنينة ولما بات واحد منهم آسفاً علي احتلال يهدد بلده. أو عدوان يطيح بأمواله. ولوجد أولئك الذين لا يرون غير السطو وإعلان الحروب علي ممتلكات الآخرين أداة لنهب أموالهم. وسيلة أخري أقل كلفة. وأكثر وفرة. وأسلم طريقاً من تلك الطريق الخاسرة التي يشحذون فيها قواتهم ويتكبدون فيها من النفقات ما يزيد من خسارتهم. ويدفعهم أكثر للتطلع إلي الأموال التي ما شحذوا قواتهم إلا لنهبها. ولأمكن لهم ان يتلافوا تلك التلال العالية من كره الناس لهم ومقتهم لأفعالهم. واتهامهم لهم بما يعافه الحس السليم. والفطرة السوية.
ومن هذا الهدي النبوي. ما روي أنه - صلي الله عليه وسلم - قال: "إن من أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور".
إن هذا الحديث الشريف يضع للإنسانية طريقاً صحيحاً لو ارتادته لاستطاعت أن تحقق ما تصبوأ إليه من رخاء الاقتصاد وراحة البال وهدوء الخاطر. ولأمكن لها ان تتخلص من مصدر كبير للمخاطر التي تنهال عليها بسبب الطمع في مال الآخرين. والتطلع للاستيلاء عليه.
وهذا الطريق الصحيح الذي يرسمه ذلك الحديث الشريف. يمكن ان يكون أساساً لسياسة اقتصادية حكيمة لا يعتريها الوهن. ولا يتطرق إليها الشك أو الخلل. وهذه السياسة تقوم علي عنصرين أثبت الواقع المعاصر. أنهما أساس كل نهضة. وسبب كل تقدم. وهما العمل الصادق. والتبادل القائم علي الأمانة الخالي من الخداع والغش.
وقد تحدث الحديث الشريف عن العنصر الأول من تلك السياسة الرشيدة. وهو عمل الرجل بيده فبين ان العمل هو الأساس. لكن اضافته إلي الرجل هنا ليست تخصيصاً له وإنما هي اضافة تغليب. لأن المرأة قد تعمل بيدها ما تصلح له. ووصف العمل باليد ليس قصراً له علي الأعمال اليدوية. وإنما هو بيان لنوع هذا العمل وإنه صادر من الشخص ذاته. ومضاف إليه كما تضاف يده إلي جسمه. ولهذا فإن كل عمل يؤديه بيده أو بفكره داخل في اطار العمل الذي يدعو إليه. وأما البيع المبرور. فإنه - أيضاً - لا يقتصر علي البيع. وللحديث بقية غداً إن شاء الله

قرآن وسنة2
بقلم : د. عبد الله النجار

نصل حديث أمس عن بيان عناصر السياسة الاقتصادية الرشيدة في السنة النبوية فنقول: ان تلك السياسة تقوم علي عنصرين يشير اليهما حديث النبي صلي الله عليه وسلم : "ان من افضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" وقد بينا بمقال الأمس مضمون العنصر الأول من تلك السياسة وهو عنصر العمل الذي يقوم به القادرون عليه رجالا ونساء. والذي يشمل العمل اليدوي والذهني. وكل عطاء فياض يقدم للناس خيرا أو يدفع عنهم شرا. ويبقي الحديث عن العنصر الثاني وهو عنصر البيع المبرور الذي تضمنه هذا الحديث الشريف..وبداية. فإنه لا يقصد بالبيع في سياق هذا البيان النبوي خصوص هذا العقد. وانما يشمل دلالة البيع ومعناه. وهو في هذا الإطار يشمل كل تبادل للمال يقوم علي التراضي الذي شرعه الله عز وجل ولم يجعل امام الناس طريقا حلالا لتبادل المال سواه. فقال في محكم كتابه: "ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراض منكم" وقال صلي الله عليه وسلم: "لا يحل مال أمري مسلم إلا عن طيب نفس منه".
والتراضي يعني بذل المال من قبل أولئك الذين يتبادلونه أو يرغبون في تبادل مواقع الملكية فيه بالاتفاق والتفاوض الذي يحظي بقبول كافة الأطراف. وبعيدا عن استعمال القوة أو التلويح بها. أو تهديد كل طرف للآخر. أو لجوئه إلي الأساليب المحرمة كالغصب والسطو أو السرقة أو الغش أو غيره..والرضا بهذا المفهوم يعني حقيقة التبادل التجاري بين الناس أفراداً ودولا. من جهة عناصر ذلك التبادل كلها وبما فيها المعاملات التي تقوم علي المفاوضات وتلك التي تقوم علي التفضل والاحسان. أو ما يعرف بالهبات والتبرعات والمساعدات. فذلك كله يعد مادة للرضا الذي شرعه الله عز وجل وترجمة له. وميدانا لممارسة نشاطه..وقد سبق الحديث عن البيع المبرور في ذلك البيان النبوي بالحديث عن العمل البشري الخلاق. ليرشد الناس أجمعين إلي أن العائد الاقتصادي يجب أن يكون حاصلا من عمل حقيقي. وليس ناتجا عن مصادر بعيدة عن دائرة العمل الشريف. ولو أنهم عملوا جميعا والتزموا بمبدأ التراضي الذي شرعه الله لحققوا النجاح الاقتصادي ولنعموا بفضل الله.