الإفلاس الحقيقي

 

حياة المسلم لها فلسفة خاصة. رسمها الإسلام له كي يسير عليها وذلك حتى ينجو بنفسه من مصير مجهول. فهو لا يطلب الدنيا لذاتها ولا يعتبرها غاية ينتهي إليها أمله بكل طريقة وأية وسيلة. بل هو فيها كالمستظل بشجرة من وهج الشمس وحرها فإذا آذنت للرحيل قام عن ظلها وذهب مكملا سيره إلي غاية كل غاية وهي الدار الآخرة.

فهم الصحابة رضوان الله عليهم هذا المعني وبإرشاد من نبيهم بأن الغني ليس بكثرة عرض أو حطام دنيوي زائل وإنما هو قناعة بالموجود ورضي بالمقسوم. فتصحيح المفاهيم إنما هو رسالة الداعي إلى ربه. فقد ظنوا عندما سئلوا عن المفلس بأنه من لا يملك درهما ولا دينارا. وهنا جاءت مهمة المرسل إليهم حيث عرفهم بأن الرأسمالية في الإسلام ليست مطلقة بل لها حدود وقيود تنتقل بها من الغاية المطلوبة وبأي ثمن إلي الوسيلة المستعملة لسير نظام الحياة لا أكثر. والإفلاس الحقيقي هو هجر الطاعات والإكثار من المعصية. فإذا فضت الأمتعة وكشفت أسعارها تبين لصاحبها أن بضاعته كسدت سوقها وزهد فيها طالبوها لا لشيء وإنما لرداءتها.

ومن الإفلاس الخسران في العمل بمعني الركون إلي الظن في حسنه وقبوله مع فراغه مع الإخلاص فيرد علي صاحبه لان نفسه قد خدعته وأضله شيطانه فصورا له الحقير عظيما والمردود مقبولا والمرائي فيه بأن الإخلاص من جانبيه يفيض. وعندها تنقشع عن حاجبيه غشاوة قد زادتها الأوهام حتى صارت سدا لا تخترقه أنوار الحقيقة. فلا يجد لنفسه مهربا فهو قد جاء بحسنات زائفة واتبعها بتبعات ضرب هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا وشتم هذا. واليوم القصاص وكل الحقوق التسامح فيها مقبول إلا حق العباد فإن الله لا يظلم الناس شيئا. فينهار بناء الحسنات الذي أوهم به نفسه لان أساسه العجب والجهل بل لا يفي بمطالب العباد فلا يبقي إلا أن يحتمل من أوزار الذين أساء إليهم ليلقي مصير ما كان يحسبه وعندما يستمع لصوت ما كان لي عليكم من سلطان. وما أنا بمصرخكم. أني أخاف الله رب العالمين.. فيا مضيع الزمان بنقص الأيمان ومعرضا عن الأرباح متعرضا للخسران. يا غافلا وهو مطلوب ومخاصما وهو مغلوب وواثقا وهو مسلوب إياك وان تفلس من أعمال الآخرة بالركون إلى الدرهم والدينار فتصير عبد الله عبيدهم فتنال حظك من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم عليهم بالتعاسة والانتكاس. فاجمع شتات أمرك أحص عليك أعمالك وظن بنفسك دائما نقصا وان بلغت الكمال فقد خاف الصالحون أن يثابوا علي أعمال الطاعة لان نفوسهم قد اشتهتها.